bits and pieces من هون وهونيك

“death reunites.”

Thursday, May 13, 2010

الطريق إلى الوحدة


الطريق إلى الوحدة

الوحدة قاتلة. تمنّيتُ مراراً أن أستقلّ في إدارة شؤون حياتي اليومية. سعيتُ إلى إنقاذ نفسي من سطوة العائلة الضيّقة والجماعة الأوسع. لكنّي تأخّرت كثيراً. أردتُ حرية خاصّة بي. فكانت الحرية وهماً. والاستقلالية قذارة. لن أدخل في تحليل اجتماعي أو ثقافي. التربية المعتمَدة في نموّي الجسدي والعقلي والمعرفي مزرية. أفضت، ببساطة، إلى هشاشة فظيعة. الوحدة، بالنسبة إليّ، أصغر من أن تتّخذ لنفسها صفة العمق الثقافي. فهي، بانفلاشها في تفاصيل عيشي اليومي، باتت سيفاً قاطعاً حوّل وهم حريتي إلى خراب. حوّل حريتي نفسها إلى وهم. وهي، بانفتاحها على النفس والروح والعلاقات، جعلتني أنظر إلى شقائي بعين مخضّبة بالدمع، وبقلب ساقط في القهر. الوحدة قاتلة. قسوتها نابعةٌ من إدراك واضح بأن الاستمرار في العيش انعكاس لارتباك حاد إزاء قرار الرحيل.

الوحدة قاتلة. الجلوس بين أصدقاء والسهر معهم، لا يعني تمتّعاً دائماً بمباهج يصنعها هؤلاء للحظات عابرة. العمل مع زملاء، لا يُنقذ الروح من وجعها المسحوق أمام الانهيار. الاشتغال بحماسة ملتبسة، لا يؤدّي إلى تحرّر من وطأة القسوة اليومية، التي ابتكرتها الوحدة. السفر أيضاً. يقولون إنه ضروري. إن فوائده العديدة بديعة. قادرٌ هو على منح المُسافر لحظات هناء وراحة. لقاء أصدقاء آخرين. متابعة نشاطات. السهر على مشارف الدنيا. هذه أمور صحّية. لكنها تظلّ منقوصة، ما دام المرء قابعا في وحدة قاتلة. تظلّ منقوصة، لأنها تفتقد نكهة الجمال والمتعة والفرح. شعورٌ بالقرف والألم بات أساسيا. الحبّ طريقٌ إلى تلك الوحدة، بعد انكشافه وهماً. لا شيء لحماية الذات من التغرّب في العالم، أو خارجه. لا شيء لتحصين النفس من عبث القدر. كل وضوح منذور للخطأ. كل جمال مصنوع من الخطيئة. ليس الخطأ بمعناه الفكري، بل بكونه أداة تحطيم. ليست الخطيئة بمعناها المتمرِّد على أصول وقواعد وأنظمة، بل بكونها لحظة انكسار أخير.

الوحدة قاتلة. أهيم بين الرفاق. أرى في وجوه بعضهم سخرية من بؤسي، لأن لهم نمطاً آخر في مقارعة المظالم، أو قوّة ذاتية في مناهضة الوجع. أشعر في نبرة بعضهم الآخر خفّة بي، لقناعتهم بأن ألمي عادي، وبأن خروجي منه قريبٌ. هناك بينهم من يقول كلاماً قاسياً، لكنه ضروريّ لي. أجلس في الخمّارة طويلاً. أصطنع ضحكة. ما يحدث في الليل، يمحوه النهار. الوحدة قاتلة. ما من منقذ من ضلال سقطتُ فيه، عندما اعتقدت، واهماً، أن الحبّ قادرٌ على حمايتي من قسوة الحياة. أعرف أن الخاتمة مقبلة. أن لا شيء أبدي. لكن الجرح بليغٌ. وبلاغته أقوى من أي جرح شبيه سبق أن شوّه بعضاً من ذاتي. التشوّه الراهن أعنف. التشوّهات السابقة مدموغة فيّ. وإن لم تظهر للعيان.
الخروج من المتاهة حتميّ. لكنه، هذه المرّة، مطعونٌ بألف طعنة. مرهونٌ للعتمة. مسكونٌ بأشباح القدر، بل بلعنته.




==

No comments:

Post a Comment